لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك

لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك

ريشة هددمنذ سنة

لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَة لأَخِيكَ فَيرْحمْهُ اللَّهُ وَيبتَلِيكَ 

السعادة كل السعادة أن يشتغل المرء بعيوب نفسه دون عيوب غيره، وأن يدعو الله تعالى أن لا يشمت به أحدا،وهناك مصائب تستحق أن يتعوذ منها كل مؤمن، وهناك بلايا ورزايا لا مخلص منها إلا الله ، ومن أشد المصائب على النفس هي مصيبة شماتة الأعداء ، فعدوك يفرح بما أصابك من سوء وما ألم بك من محنة فيظهر فرحه مع شدة جرحك وكبير ألمك وعظيم مصيبتك. ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا). 

إنّ أكثر من ابتلي به الناس في وقتنا المعاصر هو ما يقوم به بعض ضعاف النفوس على صفحات الإنترنت في منتديات عديدة من فضح ونشر لأسرار الناس وكشف لمعايبهم وإظهار الشماتة بهم وتتبع سقطاتهم سواء كان ذلك صحيحا أو كذبا، ولا شك أن من يقع في ذلك فإن عقوبته أن يفضحه الله ولو بعد حين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله) وقال: ((لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك. وهذا مرض اجتماعي متأصل في بعض القلوب المريضة نتيجة لأصابتها بمرض الغرور والحسد).

وكلنا يعرف أن طبيعة تلك النفوس الشامتة الحاقدة الحاسدة التي ملأها خبثها ونتن ريحها وملأها الغل والكراهية حتى فقدت بصيرتها وألسنتها تقذف بالسموم ولا تخرج من افواهها إلا الرديء الخبيث.والمولى سبحانه وتعالى يصف لنا حالهم ونفوسهم الفاجرة الفاسقة فيقول عز وجل:﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾ [آل عمران: 120].

ولا أدري كيف يتشفى هؤلاء في مصيبة الموت ؟

أما تخشى أيها الشامت أن يبتليك الله بمصيبة اكبر؟ كما روي في الأثر ( لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك ) .

ماذا دهانا؟ وماذا أصابنا؟ ومن هذا الذي عكّر مياهنا العذبة الصافية؟ ومن هذا الذي أفسد حياتنا المطمئنة الوديعة المسالمة؟ من هؤلاء الذين علمونا التشفي والغل والشماتة؟ من هؤلاء الذين ملأوا صدورنا كرهاً وحقداً وضيّقوها علينا فلم نعد نفرح إلا في مصائب الناس؟ ولا يشغلنا نجاحنا وفلاحنا بل تشغلنا كوارث الآخرين؟

وتأمل في شماتة فرعون من موسى وأخيه حين قال: (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) بنفس خبيثة ساخرة حاقدة شامتة، حتى قال هارون عليه السلام لأخيه وهو يصدق لشماتة فرعون بهم قال: موسى( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ).

وربما من أشد تلك المصائب وقعا على النفس وتأثيرا بها هو "شماتة الأعداء" ، فيفرح عدوك بما أصابك من سوء وما ألمت بك من محنة فيظهر فرحه وسخريته واستخفافه بك مع شدة جرحك وكبير ألمك وعظيم مصيبتك.ومن هنا نفهم ما أخرجه الحاكم بسند حسن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو : ( اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدواً حاسداً) ، لأننا ننتفهم طبيعة تلك النفوس الحاقدة الحاسدة التي ملأها خبثها ونتن ريحها من ذلك الغل حتى فقدت بصيرتها فلا تقذف إلا بالسموم ولا تخرج إلا الرديء ، وكأن المولى يصف لنا حالهم فيقول جل في علاه : ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)، لإنها نفسية المنافق والفاجر والفاسق.

ينقل أهل التفسير عن وهب قال: أن أيوب عليه وعلى نبينا السلام قيل له : ما كان أشق عليك في بلائك : قال" شماتة الأعداء " ، وهو " الضر " الذي أصابه حين نادى ربه فقال : (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) حيث كان لأيوب أخوان فأتياه فقاما بعيدا عنه لا يقدران أن يدنوا منه من نتن ريحه ، فقال أحدهما : لو علم الله في أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا البلاء ؛ فلم يسمع شيئا أشد عليه من هذه الكلمة ؛ فعند ذلك قال : {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} ثم قال : "اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت شبعان قط وأنا أعلم مكان جائع فصدقني" فنادى مناد من السماء " أن صدق عبدي" وهما يسمعان فخرا ساجدين. انه داء الشماتة الذي أصاب تلك النفوس المنحطة الوضيعة فلا غرابة من أن يتصف المجرمون الحاقدون بها ، لكن الغرابة حين يصاب بعض أفراد أمتنا المسلمة بهذا الداء . نعم الغرابة حين يشمت بمصائبك أقرب الناس إليه ، والغرابة حين يفرح بألمك من كنت تعتقد أنه صاحبك وخليلك ، والغرابة حين يسعد بجراحك من ينتسب إلى أمتك .فيموت أخوة لنا هنا وهناك فترى الشامتين يغردون ويكتبون ويتحدثون بفرحهم وسرورهم نكاية بإخوانهم ، ويحاصر أخواة لنا هنا وهناك فيعمل إعلام الشامتين على إظهار الغبطة والنشوة بما يحصل لأخوتهم ، وتباد أمة منا في شرق الأرض أو غربها فيتصدى الشامتون لوسائل التواصل يردحون ويرقصون طربا لتلك الإبادة ، وما ذلك إلا لأن الشامتين يختلفون مع أولئك في طروحاتهم أو آراءهم أو أفكارهم أو منهجيتهم .

ولا أدري كيف يبيح المسلم لنفسه الشماتة من أخيه المسلم ؟ فهل لك أن تتشفى بمصيبة أخيك حتى وإن كنت تخالفه ؟ ألم يرد على مسامعك ما أخرجه الشيخان في الصحيح : (إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً ؟ 

فلو كان يهوديا ما جاز لك أن تشمت بمصيبته فكيف بأخيك المسلم ؟

أما تخشى أيها الشامت .. أما تخشى أن تبتلى بمثل ما ابتلي به أخيك المسلم ؟ كما روي في الأثر ( لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك ) ، يذكر أهل التاريخ أن القائد صلاح الدين حين مات فرح بموته أحد قادة الأقاليم واسمه سيف الدين حتى أسرف في الشماتة بموت صلاح الدين فلم يمهله الله بعد ذلك إلا شهرين فمات بعدها . حتى كان السلف يخافون من تلك الخصلة اللئيمة فقال أحدهم : شمت من رجل فقد أسنانه ففقدت أسناني ، وقال آخر : شمت من رجل فقير فأصابني الفقر ، وقال آخر : شمت بمفلس فأفلست ، حتى قال ابن مسعود : إني لأخشى أن أشمت بكلب. 

وقد ذكر المناوي في فيض القدير أن قوله صلى الله عليه وسلم ( وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوّاً وَلَا حاسِداً ) أي لا تنزل بي بلية يفرح بها عدوي وحاسدي، وفي الصحاح الشماتة: الفرح ببلية العدو، والحسد تمني زوال نعمة المحسود .بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ حتى من شماتة الأعداء، حيث روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ" متفق عليه.

فما عاقبته في الدنيا يا ترى؟

روى وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ» رواه الترمذي.

لماذا (ويبتليك؟)، قال المناوي –رحمه الله-: (ويبتليك) حيث زكيت نفسك ورفعت منزلتك وشمخت بأنفك وشمت به . فعقوبة إظهار الشماتة بالناس أن الله قد يبتليك بنفس الذنب.

وروى معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله " رواه الترمذي وقال حديث غريب [حسنه الأرناؤوط في جامع الأصول 11/742]. أي من عيّر أخاه بذنب تاب منه؛ لأن الذي يعير أخاه بذنب يصيبه إعجاب بنفسه لسلامته مما عيَّر به أخاه ، وهذه آفة أخرى يجب التنزه منها والحذر منها. قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ،ولقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة رضي الله عنهم أن لا يعير أحدا ولو كان المقابل هو البادئ بذلك.

فقد روى جابر بن سليم رضي الله عنه قال رَأَيْتُ رَجُلًا يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ، لَا يَقُولُ شَيْئًا إِلَّا صَدَرُوا عَنْهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَرَّتَيْنِ، قَالَ: " لَا تَقُلْ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ، قُلْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ " قَالَ: قُلْتُ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي إِذَا أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ، أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ - أَوْ فَلَاةٍ - فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعَوْتَهُ، رَدَّهَا عَلَيْكَ»، قَالَ: قُلْتُ: اعْهَدْ إِلَيَّ، قَالَ: «لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا» قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا، وَلَا عَبْدًا، وَلَا بَعِيرًا، وَلَا شَاةً، قَالَ: «وَلَا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ، فَإِنَّهَا مِنَ المَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ، وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ، فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ) رواه أبو داود والترمذي.

وهذا هو الشاهد من هذا الحديث (وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ، فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ).

وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» رواه الترمذي.

فلا تعيّر أحدا على ذنب ارتكبه؛ لأنك لا تأمن أن تقع فيما وقع فيه، ولا تعيّره على نسبه وأصله، فإن ذلك من أمر الجاهلية وقد يُذلك الله، فقد روى عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» رواه مسلم.

فكيف لنا أن نشمت بمصيبة مسلم ؟ وبلية مؤمن ؟

يروي أهل التفسير أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه حين قدم المدينة مسلما ، فكان المسلمون إذا رأوه قالوا ابن فرعون هذه الأمة فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ) وكأنه يؤدبهم بعدم الشماتة من أخيهم مهما حصل منه ما حصل فيما مضى .

تأمل في النفوس الطاهرة النقية الزكية كيف تتعامل مع خصومها ، فهذا يوسف عليه السلام يوم أن يأتيه أخوته وهم في أوضع صورة وأذل عبارة فيقولون : ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) فلم يشمت منهم لطاهرة قلبه وصفاء سريرته فقال : (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ، وهذا رسولك صلى الله عليه وسلم يدخل مكة فاتحاً فيقول : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء والله لا أقول لكم إلا ما قاله يوسف لأخوته : (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) .ولذلك قال ميمون بن مهران: من أساء سرا فليتب سرا، ومن أساء علانية فليتب علانية، فإن الله يغفر ولا يعير، والناس يعيرون ولا يغفرون (الحلية 4/92).

فلا تعير عاصيا أو لا تشمت بعاصي؛ لأنك لا تأمن أن تقع فيما وقع فيه، فلا يأمن كراّت القدر وسطوته إلا أهل الجهل كما قال ابن القيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا عَثَرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْ عَوْرَةَ الْمُسْلِمِ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ، وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ» رواه ابن حبانوعنْ وَاثِلةَ بنِ الأسْقَعِ لترمذي وقال: حديث حسنٌ  قالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ:

لا تُظْهِرِ الشَّمَاتَة لأَخِيكَ فَيرْحمْهُ اللَّهُ وَيبتَلِيكَ .

أخي المسلم .. أختي المسلمة .

لا تشمت بمصيبة تحل بأخيك ... فربما أُصبت بمثلها

لا تشمت بمرض مسلم ... فربما أُصبت به

لا تشمت بخراب ديار قوم .. فربما تصاب بذاك

وتعوذ بالله من شماتة الأعداء

على الإنسان أن يمسك لسانه، فالإيمان شيء عظيم، والمؤمن إنسان كامل، أكثر شيء ضابط لسانه، فلا يتكلّم بكلمةٍ خلافاً للشرع، ولا يتأذّى من أحد إطلاقاً، رحمته تسع كلّ الناس، يوجد أشخاص يحبّون الذكي و يحبون الجريء، أمّا الآخر فيكيل له الإهانات والإعراض والتهكُّم والسخرية، فهذا الشخص وحشٌ.. أمّا المؤمن فغير ذلك.

أحياناً معلّمون إذا سأله أحد طلاّبه سؤالاً سخيفاً قليلاً فيقوم المعلّم بإهانته وبهدلته وغير ذلك من التسخيف، فبالتالي لن يسألك أحدٌ من الطلاب بعد الآن أيّ سؤال فقد حطّمت الطلاب تحطيماً، وبعد ذلك إن كان عند أحدهم سؤال وجيه فسيخاف ولن يسألك، فيظلَّ الجاهل جاهلاً، فأين بطولتك؟بطولة المعلّم أن يجيب على السؤال السخيف بكلّ اهتمام، وإذا الطلاب ابتسموا.. فيقول لهم: معه الحق في أن يسأل، فمفتاح العلم السؤال، ليس العار أن تكون جاهلاً، العار أن تبقى جاهلاً، ارفع معنويّاته، ولو كان سؤاله سخيفاً، يظهر بذلك فضل المؤمن.. فالنفس الإنسانيّة كثيرة الحساسيّة والدّقة.إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة ما يتبيّن ما فيها يزَلُّ إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، كما أنّه عندما يقع الإنسان بمصيبة تجد كثيراً من الأشخاص يتكلّمون بكلام أقسى من الصخر، نصحتك ولم تنتصح، كلمات في منتهى القسوة، منتهى العنجهيّة.

العاقل من لا يظهر الشماتة بأخيه بل يحتويه و يخفف عنه

إيّاك، فأحياناً الإنسان يغلط ويدفع لذلك ثمن خطئه، فيجب عليك أنت أن تحتويَه، أن ترحمه. فمثلاً: سيّدنا حنظلة جلس في الطريق يبكي، فمرّ سيّدنا الصدّيق وسيدنا الصديق سيّد الصحابة وأعلاهم، قال له: ما لك يا حنظلة تبكي؟ فقال: نافق حنظلة (أي أنا منافق) فقالله: لمَ يا أخي ؟! فقال له: نكون مع رسول الله ونحن والجنّة كهاتين (أي نعيش معه بأحوال جميلة جدّاً) فإذا غادرنا إلى البيوت ننسى (هذه الأحوال)، فقال له: أنا كذلك يا أخي فما هذا التواضع ؟. فإذا شكا أحد الأشخاص لك زوجته، فنقول له: لا.. الحمد لله أنا زوجتي ملاك.، فلا يجوز هذا الكلام هذا الكلام ليس له طعم، فقولك له: والله لا يوجد أحد مرتاحاً.. فبذلك تخفف عنه، وإن كان عنده ولدٌ سيئ، فيقول له: أنا ابني ما شاء الله، الأوّل، ملاك، من السماء منزَّل. فهذا الكلام فيه وقاحة.فإن كان عنده ابن سيّئ فخفف عنه قليلاً بلواه وقل له هذه بلوى عامّة، وثلاثة أرباع الناس هكذا.. الطريق صعبةٌ والأصدقاء والرفقاء كذلك حتّى يشعر بالأنس فالله كان يؤانس رسول الله ويذكر له عن الأنبياء السابقين وكيف كُذِّبوا ولم يُصدَّقوا وأُوذوا حتى يرتاح.

إذاً لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك، وكلّكم تعرفون الآية الكريمة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) ﴾( سورة الحجرات: آية " 11 " )

والله أيُّها الأخوة، قد يكون إنسانٌ بأعلى مرتبة، وقد يكون الحاجب المعيّن لديه أرقى منه عند الله ! فأنت لا تعرف، فقد يكون الحاجب المعين عندك أنت في أعلى مرتبة وهو في أدنى مرتبة !هذا في هذه الدنيا، لكن عند الله توجد مقاييس أُخرى. فينبغي للمسلم العاقل لا يشمتن بأحد فإن عقوبة الشامت في الدنيا هي انتقال المصيبة إليه فبادر بالخلق الحسن والصفات الحميدة للمسلم ، قال تعالى “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” (فصلت :34)

إياك إياك أخي الحبيب من الشماتة بأي مسلم فتظهر السرور والفرح بما أصابه من مصيبة في دينه أو دنياه ، فالنصيحة لك أن تدعو له بالخير وأحمد ربك على السلامة والعافية.

واشتغل بنفسك وأصلح عيوبك ،فسوف تسأل عن نفسك لا عن غيرك .

بقلم "ريشة الهدهد "

1
إعجاب
1480
مشاهدات
0
مشاركة
1
متابع

التعليقات (0)

لايوجد لديك حساب في عالم البرمجة؟

تحب تنضم لعالم البرمجة؟ وتنشئ عالمك الخاص، تنشر المقالات، الدورات، تشارك المبرمجين وتساعد الآخرين، اشترك الآن بخطوات يسيرة !