مقدمة:

إن التطور الرهيب للأجهزة الإلكترونية لم يكن ليحصل لولا وجود أنظمة تشغيل قوية تساعد على إستغلال موارد الجهاز بمرونة و كفاءة عالية، و من بين كل الأنظمة الحالية ينال Linux حصة الأسد في هذا المجال، و لربما دون شعور منك أنت تستخدمه و ذلك إن كنت تملك هاتف يشتغل على نظام Android - هذا الأخير مبنيٌّ على Linux -، فمن الساعات و الهواتف الذكية إلى مركبات الفضاء جُلُّها يشتغل على Linux، فما هو هذا النظام؟ و مالذي يميزه عن الأنظمة الحالية؟
بينما كان الجميع منبهرا من النسخة الحديثة من Windows، كانت رحلتي قد بدأت منذ حوالي سنتين لما قرَّرتُ تجربة Linux، و بما أني شخص منجذب للعالم الرقمي كان إنتقالي لهذا النظام بمثابة قفزة نوعية فتحت عيناي على زاوية نظر مختلفة تماما عن ما كنت أراه طوال حياتي، لذلك حاولت أن ألخص أهم النقاط التي شدَّت اِهتمامي و جعلتني متمسكا بهكذا نظام.
ملاحظة: بما أن Linux موجه بشكل أكبر نحو الحواسيب الشخصية، فجل المقارنات ستكون بين أشهر نظام تشغيل للحواسيب Windows و Linux.

ماهو Linux؟:

حقيقةً Linux ليس بنظام و إنما هو نواة - بمثابة القلب النابض للنظام - لأنظمة التشغيل GNU/Linux، و كثير من يختصر أنظمة GNU/Linux في لفظ Linux و رُغم أنه قد يكون مقبولا إلا أنه قد يكون مجحفا بحق مشروع GNU، و حتى تتوضح هذه النقطة جيدا سنقسمها إلى ثلاث فروع:

1. ما هو مشروع GNU؟: باختصار هو مشروع بدأ في ثمانينيات القرن الماضي،  تمرُّدًا ضد ظهور فكر البرمجيات الملكية ( الإحتكارية )، و يهدف لإعطاء الحرية الكاملة للمستخدمين على أجهزتهم و برامجهم و هذا ما أدى لظهور مؤسسة البرمجيات الحُرَّة و التي مبادئها هي: حرية إستخدام البرامج في أي غرض، حرية مشاركة البرامج، حرية دراسة و التعديل على البرامج، حرية مشاركة النسخ المعدلة من البرامج، كما أن نواة Linux بذاتها تعتمد على رخصة GNU العمومية - GNU Public Licence - لذلك في بقية المقال سأعتمد على لفظ GNU/Linux حتى نكون منصفين تُجاه هذا المشروع.

2. ما هو نظام التشغيل - Operating System (OS) -؟: نظام التشغيل هو برنامج ( أو مجموعة من البرامج المتواصلة فيما بينها ) يدير موارد الجهاز و يعمل على توزيعها بين التطبيقات و البرامج حسب الحاجة ( الموارد هي المعالج، الذاكرة العشوائية أجهزة الإدخال و الإخراج، إتصالات الشبكات ... و غيرها ).

3. ما هو نظام GNU/Linux؟: هو نظام كغيره من الأنظمة الحالية Windows، Mac، Android أو iOS لكن يختلف في فلسفته و توجهه التقني عن باقي الأنظمة في كونه نظاما حُرَّا لا يهدف لتقييد مستخدميه و إنما يعزز حُرياتهم التقنية، و رغم أن Linux هو نواة النظام إلا أنه لم يكن ليصل لما هو عليه لولا مشروع GNU حيث أن هذا الأخير في بداية الأمر كان يهدف لنظام حُر لذلك قام المبرمجون القائمون على المشروع ببرمجة كل أطراف النظام من واجهة رسومية إلى برامج سطح المكتب و كان ما ينقصهم هو نواة النظام فأتى Linux بمثابة مُتمم للمشروع، لكن مالمميز في هذا النظام و مالذي يجعله فريدا من نوعه؟

مميزات أنظمة GNU/Linux:

1.  الخصوصية و الأمان: كلنا نعرف سمعة أشهر نظام تشغيل الذي هو Windows و التي تديره شركة مايكروسوفت - أحد عمالقة جمع البيانات عن المستخدمين - و أنا لست هنا لأقنعك بأن خصوصيتك شيء مهم، فكل إنسان لديه ما يخفيه و أنت من تحدد هل ترغب بحماية خصوصيتك أو لا، لذلك إن كنت مهتما بخصوصيتك فنظام GNU/Linux يحترم خصوصيتك و لا يجمع عنك البيانات، كما أنك لن تحتاج إلى مضاد فيروسات لحماية نفسك لأنه أأمن بكثير من نظيره Windows.

2. مجاني: لن تصرف فلسا واحدا على النظام و لن تضطر للبحث عن كيفية تفعيله، و ذلك لأن أغلب أنظمة GNU/Linux مجانية.

3. سهولة التثبيت: لمَّا كنت أثبت نظام Windows على حاسوب جديد، أو لما أقوم بعمل فورمات لجهازي كنت دائما أقضي باقي اليوم و أنا أثبت التعريفات ( Drivers )، على نظام GNU/Linux كل ما عليك فعله هو تحميل النظام، حرقه على فلاشة، و بعدها تثبيته على الجهاز ( عملية التثبيت تستغرق حوالي ساعة أو أقل، على حسب عتاد الجهاز )، كما يمكنك تفعيل خيار تثبيت التعريفات تلقائيا أثناء تثبيت النظام، و بعد الإنتهاء يمكنك البدء في استعمال النظام مباشرة.

4. تعدد الخيارات: لربما تكون قد لاحظت أني أمزج بين إستخدام لفظ نظام و أنظمة عند ذكري لـGNU/Linux، وذلك راجع لفلسفة البرمجيات الحُرَّة التي أدت لانبثاق العديد من الأنظمة ( تعرف بلفظ التوزيعات - Distros - ) المشتقة من نظام GNU/Linux، وهذا ما أدى بتشعُّب الإختيارات لمستخدمي أو للراغبين باستخدام GNU/Linux، فيوجد أزيد من 100 توزيعة كل منها لها فلسفة و إتجاه تقني معين، كما أنه تتعدد به خيارات القيام بالمهام فمثلا لو كنت ترغب بتثبيت برنامج يمكنك ذلك إما عن طريق المستوع الرسمي - المستودع هو مثل متجر التطبيقات على الهاتف غير أنه آمن و صارم في سياسته لحد كبير - للتوزيعة التي إخترتها، أو مستودعات أخرى مثل Flathub أو Snap أو حتى تحميل البرنامج كتطبيق محمول - AppImage -، و حتى في الواجهات الرسومية يوجد العديد منها و التي يمكنك تثبيتها و تجربتها متى ما أردت، ناهيك عن توفر سطر أوامر - النافذة السوداء التي تنتظر منك كتابة أوامر لتنفيذها - قوي يوفر عليك الوقت في عديد من المهام و يحررك من تأديتها بالطريقة الكلاسيكية.

5. المرونة: نظام GNU/Linux مرن و خفيف على عتاد الجهاز بشكل لا يصدق، و لن تضطر لإعادة تشغيل جهازك مرة كل حين أو إعادة فرمتته بعد عدة أشهر لأنه أصبح بطيئا في تأدية المهام، بل و حتى يوجد توزيعات مخصصة للأجهزة الضعيفة التي لم تعد صالحة لتشغيل أي نظام.

6. وتيرة تطوير سريعة: لكون النظام حرَّا و توفر الكود البرمجي للنظام أدى هذا بتهافت المطورين عليه لتحسينه و سد ثغراته بشكل أسرع.

7. مجتمع متماسك: من بين أهم الأشياء التي أفتخر بها حاليا هو إنتمائي لمجتمع مستخدمي البرمجيات الحُرة، هذا المجتمع متماسك لحد كبير و يمتاز بروح دعم أقوى بكثير عن غيرها من المجتمعات التقنية الأخرى، فلو واجهتك مشكلة في نظامك أو لو تريد الإستفسار عن أمر ما و تحتاج لمساعدة هناك الكثير من الأشخاص المستعدين لتلبية طلبك دون تردد.

8. سهل التخصيص: كثير من مستخدمي Windows إنبهروا من الحُلَّة الجديدة للنسخة الأخيرة من النظام، لكن نظام GNU/Linux متفوق في هذا بسنين ضوئية، و يمكنك الإطلاع على توزيعات مثل Deepin، و Ubuntu Kylin، كما أنه تتوفر عدة بيئات مكتبية مثل: Gnome، KDE Plasma، DDE، XFCE و غيرها من البيئات التي يمكنك التنقل بينها بشكل سهل بمجرد تثبيتها مع قابلية تخصيص كل بيئة عن طريق تغيير الواجهات الرسومية و طقم الأيقونات، و تفعيل المؤثرات البصرية.

9. توفر البدائل: رغم أن العديد من برامج Windows لا تتوفر على GNU/Linux إلا أن توفر البدائل جعل من هذا المشكل مشكلا منسيا، فمثلا برنامج Microsoft Office يقابله على GNU/Linux برنامج LibreOffice، و برامج تصميم من Adobe يقابلها Inkscape و GIMP، و غيرها من البرامج و التطبيقات ذات الجودة الجيدة - و التي أغلبها حُر و مجاني و مفتوح المصدر -.

شائعات عن نظام GNU/Linux:

1. نظام معقد و ليس موجها للمبتدئين: لربما كان هكذا قبل 15 - 20 سنة لكن الآن ومع تطور البيئات المكتبية و تحسين الواجهات الرسومية أصبح من السهل جدا التعامل معه حتى من قبل المبتدئين، بالإضافة لتوفر توزيعات موجهة للمبتدئين سهلة الإستخدام.

2. نظام موجه للهاكرز فقط: الكثير عندما يسمع لفظ Linux يتوجه عقله نحو الهاكرز و الإختراق، رغم أنه حسب معرفتي يوجد توزيعتان فقط موجهتان للهاكز هما Kali Linux و ParrotOS، و يرجع إعتماد الهاكرز على هذين التوزيعتين بشكل كبيرة لقوة سطر أوامر نظام GNU/Linux، لكن هذا لا يعني أنه موجه للهاكرز.

3. يجب عليك إتقان سطر الأوامر للتعامل مع النظام: في الحقيقة سطر الأوامر يوفر عليك الكثير من الوقت في تأدية بعض المهام لكنك لست مجبرا على إستخدامه ولا إتقانه، فكما تحدثت من قبل تطور البيئات المكتبة على GNU/Linux سَهَّل الكثير على المبتدئين و القادمين الجدد و لن تُجبر على إستخدام واجهة سطر الأوامر للتعامل مع النظام ( لكنها ستكون مهارة جيدة لو تعودت عليها زِد على ذلك هي ليست حتى بالأمر الصعب لتعلمه ).

تريد تجربة نظام GNU/Linux؟ هذا ما أنصحك به:

1. إختر توزيعة تناسب إحتياجاتك و تناسب عتاد جهازك، و يكون لديها مجتمع مستخدمين نشيط من بين التوزيعات التي أنصح بها:

   • Linux Mint

   • Elementary OS

   • Ubuntu

   • Fedora

   • Deepin

   • ZorinOS

   • Solus

2. جرب التوزيعة التي إخترتها على VirtualBox أولا و تفاعل مع النظام و حاول التعرف و التعود عليه بعدها قرر إن كنت ستنتقل لتجربته بشكل أساسي على جهازك، ولتقم بتثبيته بجانب نظام Windows و حاول تجربته لأيام و لترى إن كان يناسبك و يساعدك في تأدية مهامك اليومية.

إن كنت مهتما بالتعمق أكثر في فهم النظام أنصحك بقراءة هذا المقال المُقدم من عالم لينكس العربي: https://linuxaw.com/gnu-linux-introduction/
 أتمنى أن أن يكون المقال قد أفادكم لأي إستفسارات يمكنكم التعليق و سأحاول الإجابة عليها.

 

كلمات دليلية: gnu/linux linux open-source