لا تستمع الى المبرمج الذي بداخلك

ابوبكرمنذ 6 سنوات

السلام عليكم ورحمة الله
   هذه ليست قصة خيالية ولا حكاية من حكايات الف ليلة وليلة ولكنها تجربتي الشخصية كمبرمج كان يبحث عن فرصته الموعودة ليخرج الابداع الكامن بداخله ويبهر العالم بانجازاته ويقوم كذلك بتطوير وجبة افطاره التميسي الى وجبة فاخرة من البيك.

ساحاول بقدر الامكان ان ابتعد عن التفاصيل التقنية والاكواد البرمجية. لأن الهدف من مشاركتي لهذه التجربة هو تسليط الضوء على الواقع الذي يقابل المبرمج في حياته العملية بعيدا عن الاحلام الوردية وبعيدا عن التوقعات الخيالية.

كانت البداية عندما قرأت اعلان في احدى الصحف يطلب مبرمجين للعمل باحدى الشركات. قمت بالتقديم كعادتي وتجاهلت الموضوع بعدها، فقد اصبح التجاوب مع مثل هذه الاعلانات احدى هواياتي التي افعلها من باب اثبات الحضور. ولكن يبدو ان هذه المرة كانت تختلف عن سابقاتها فبعد اقل من ساعة تلقيت الرد من صاحب الاعلان يطلب مني الحضور لعمل المقابلة الشخصية. تفاجأت بهذا التجاوب السريع غير المتوقع ولكن بعد اقل من ساعتين كنت اجلس على الكرسي المقابل للسكرتير بانتظار الاذن بمقابلة مدير الشركة وقد حضرت الى المكان مستعينا بالموقع الذي ارسلوه لي على الواتساب.

كان المدير شخص بشوش وعلى وجهه ابتسامة مريحة رحب بي ثم قام بنفسه واحضر لي القهوة وتبادلنا اطراف الحديث ثم اخبرني انهم في حاجة الى مبرمج php فأخبرته انني الشخص المطلوب. ثم سألني عن برنامج الاوبن كارت opencart فاخبرته انني لم اعمل عليه من قبل وقلت في نفسي طارت الوظيفة. ولكن لحسن الحظ بدا انه غير مهتم بهذا البرنامج واخبرني انه يوجد بالشركة من يتقن العمل عليه واستمر حديثنا لأكثر من ساعتين واتفقنا على كل الامور الروتينية واستلمت الوظيفة على ان يكون غدا هو اول ايام دوامي.

جاء الغد وكنت اول الموظفين حضورا في الشركة، فمن اهم عاداتي التي احافظ عليها هي الاستيقاظ المبكر وكذلك الحضور المبكر.

كان اليوم الاول يوما خفيف الظل ففيه تعرفت على الموظفين واندمجت معهم بسرعة وايضا شاركني البعض في تجهيز مكتبي وترتيبه وبدأت في انجاز بعض المهام وكنت في غاية الحماس والسرور.

في اليوم التالي دعاني المدير لمكتبه واخبرني انه يريد تكليفي بأول اعمالي فأبديت استعدادي التام وحماسي لانجاز اي عمل مطلوب ولكن كانت المفاجأة.

طلب مني ان اقوم بعمل متجر الكتروني باستخدام اوبن كارت واتولى الاشراف عليه لانه لايوجد احد غيري يتولى هذه المهمة.

طلب مني الشئ الوحيد الذي اخبرته انني لا اجيده.

   لماذا . . . ؟

اين البرمجة في الموضوع؟ اين الابداع؟ اين ما قلناه بالامس؟ اين الباب؟

نظرت الى المبرمج الذي بداخلي فوجدته ينظر الى بثقة وبنظرات حاسمة، فهو لا يتردد في مثل هذه الامور فالرؤية بالنسبة له واضحة، فهذا الطلب من المدير يعتبر اخلال بالاتفاق ويجب علي ان اعتزر واغادر فورا.
 المبرمج الذي بداخلي اعتاد على المنطقية والنمطية الثابتة وان المدخلات الصحيحة تجري عليها عمليات منطقية ومعالجات يصنعها هو بكل دقة ليحصل على نتائج فائقة الدقة. وهو يعتبر هذا الطلب من المدير نقض للاتفاق وعدم التزام منه بما تم الاتفاق عليه سابقا.

كنت على وشك ان اطيع المبرمج الذي بداخلي واعتزر عن المهمة واغادر هذه الشركة. ولكني تمهلت قليلا. فمن تجربتي في الحياة ومن تجربتي في العمل بشركات سابقة في غير مجال البرمجة كنت انظر الى هذا الوضع بنظرة مختلفة عن تلك النظرة التي ينظر بها المبرمج الذي بداخلي. فهذا الموقف ليس مشكلة برمجية حتى يتم حلها بهذه الطريقة المنطقية الحاسمة.

كانت كل هذه الافكار تدور في رأسي في تلك اللحظة الخاطفة من الزمن والمبرمج الذي بداخلي ينظر الى متعجبا لماذا لا زلت جالسا حتى الان ولم اغادر.

لم استطع اقناع المبرمج الذي بداخلي بالصبر، لذلك اخذته من يده واجلسته على الكرسي البعيد وطلبت منه الانتظار حتى انتهي من هذه المحادثة مع المدير ثم اعود اليه.

نظرت الى المدير وقلت له حاضر سأقوم بهذه المهمة.

نظر الى المبرمج الذي بداخلي وكاد يجن جنونه وهو يقول لي هل فقدت عقلك؟ كيف ستقوم بعمل هذا البرنامج وانت لم تعمل عليه من قبل؟ ولماذا تطاوع هذا المدير الذي لا يلتزم بكلامه؟ لماذا ترضى بعمل شئ انت غير متخصص به؟ هل انت في حاجة اليهم؟ لا تخضع لهم وتمسك بما قلته له في المقابلة وهو عليه ان يلتزم بما قاله.

كان المبرمج الذي بداخلي واثقا مما يقول ومتمسكا بكلامه فهو يعرف كل شئ وكل شئ تحت سيطرته. فهو الذي يختار اسماء المتغيرات وهو الذي يكتب الدوال وهو الذي ينشئ الاكواد كيفما شاء ويعدلها كما يشاء ويحذف منها ما يشاء ويضيف اليها ما يشاء متى شاء وكيفما شاء. فهو المتحكم في عالمه ولا يعرف التقييد ولا يحب انصاف الحلول فكل شئ يسير حسب المنطق وحسب القواعد وهو من يحدد هذا المنطق وهو من يكتب هذه القواعد ويراجعها ويصححها ويطورها كما يشاء.

نظرت الى المبرمج الذي بداخلي نظرة رجاء وطلبت منه ان يهدأ ويترك لي هذا الامر فهو ابسط مما يتخيل ولا يحتاج الى كل هذا التعقيد. فهذا المدير مثله مثل معظم الناس يقول ما يراه صحيحا ويرجو ان يفهمه من يستمع اليه ويتمنى من موظفيه ان يبذلو كل ما في وسعم لمساعدته في تطوير العمل وسد العجز والمساهمة في حل المشكلات الطارئة والغير طارئة. وليس من المستبعد ان يكون قد نسي كل الكلام الذي دار بيننا في المقابلة وانه عندما واجه مشكلة في برنامج معين استعان بالمبرمج ليخرجه من هذه المعضلة.

لم يقتنع المبرمج الذي بداخلي بهذا الكلام ولكنه رضخ لطلبي وجلس بعيدا فقلت له ثق بي ولن تندم.

رجعت بوجهي الى المدير الذي كان ينتظر مني اكثر من كلمة حاضر. فقلت له ان هذا الامر سهل وسابدا فيه اليوم وسانتهي من اعداده خلال يومين او ثلاثة وساقوم بالاشراف عليه على اكمل وجه.

تهلل وجه المدير وشكرني وتمنى لي التوفيق ثم استاذنت بالانصراف وذهبت الى مكتبي وجلست لعدة دقائق افكر في هذا الموقف العجيب.

والمبرمج الذي بداخلي واقف بجانبي وهو لا يدري كيف يتصرف في مثل هذا الموقف الذي وضعته فيه وهو الذي اعتاد على تسيير البرامج وتوجيهها وهو الان عاجز عن التصرف في مثل هذا الموقف الذي ليس فيه اي اكواد ولا دوال ولا متغيرات. ثم سالني ما هو الاوبن كارت؟ قلت له هو برنامج لعمل المتاجر الالكترونية وادارتها. قال لي على اي لغة هو مبرمج؟ قلت له على php قال لي وماذا تعرف عنه اكثر من ذلك؟ قلت له انه برنامج مفتوح المصدر وابتسمت. قال لي وماذا تعرف عنه ايضا؟ فابتسمت. قالي ماذا تعرف عنه ايضا؟ فابتسمت.

لم اكن اعرف عنه اكثر من ذلك. وكان المفترض بي ان ابدأ الان في عمله والاشراف عليه.

كان المبرمج الذي بداخلي عنيدا ويضع العقدة في المنشار، فهو كما انه مبرمج يقوم بحل المشكلات فهو ايضا مبرمج على التركيز على المشاكل وعدم ترك المشكلة الا بعد حلها. وكنت انا اري ان الموضوع ابسط من ذلك بكثير فلم اكن انظر للموضوع على انه مشكلة تحتاج الى حل، ولكني كنت انظر للموضوع على انه مشروع متكامل يجب انجازه، وهذا المشروع لا يعتمد على البرمجة فقط ولكنه يحتاج الى تحضيرات وتجهيزات قبل ان يدخل الى مرحلة البرمجة. كما انني كنت ارى ان هذه الوظيفة الجديدة تستحق المحاولة فهي قد تكون السبب في تغيير افطاري اليومي من التميس الى البيك.

  يتبع . . .

كلمات دليلية:
0
إعجاب
1511
مشاهدات
0
مشاركة
0
متابع

التعليقات (1)

xlmnxp:

رائع اخي مقال جميل خارج عن المقالات المعتادة هنا

في انتظار التكملة :)

لايوجد لديك حساب في عالم البرمجة؟

تحب تنضم لعالم البرمجة؟ وتنشئ عالمك الخاص، تنشر المقالات، الدورات، تشارك المبرمجين وتساعد الآخرين، اشترك الآن بخطوات يسيرة !